محمدسالم
17-02-2009, 07:18 AM
أشرتُ إلى صاحب التاكسي مستعملا كل ما استطعت أن أتوصل إليه من فن الإشارة، فالساعة تشير إلى الثامنة و النصف و كان يفترض أن أكون الآن على موعد مع مدير المؤسسة التي كنت آمل أن أوفق في الحصول على وظيفة فيها.
ترى كيف سيكون انطباع الرجل عني و أنا أتأخر عن موعدي الأول، و ربما الأخير، ساعة و بقايا من ثقتي في نفسي ،لقد تندمت حين تعهدت بأن أكون عند الباب قبل أن يفتح البواب مصراعيه-الباب حتى لا يكون للبواب مصراعان :) - أمام البائسين الباحثين عن يوم سعد.
سأقول له إن السيارة تعطلت، تلك السيارة التي امتلكتها في إحدى نوماتي.
حلمت أني أخذت معي الأطفال و زوجتي في نزهة، و كنا سعيدين جدا و نحن نتوقع أن نقضي أجمل وقت ينسينا في غابة من الأوقات المنهكة التي جربناها في الماضي، و في العودة كنا من أتعس الأسر بعد تعطل السيارة و اضطرارنا للرجوع مشيا على ما كانت أقداما قبل بدء الرحلة، و أستحالت بقايا لأقدام بعض الكائنات المندثرة. لن أكون كاذبا فلقد حدث شيء مثل ذلك و لو حلما.
كانت تلك إحدى الحيل التي تعلمتها من جاري يوم كنت أطلب منه أحيانا أن يوصلني في طريقه إلى أحد أركان انواكشوط، لقد كان يتحجج بحجج لا يمكنني أن أصدقها، لكني لا أجد دليلا واضحا أمسكه عليه.
ما يهمني الآن أساسا أن أصل و أن أقنع المدير بأي شيء و عند قبولي في تلك الوظيفة، فإني سأستغفر و أسجد سجدة شكر، و إلا فإني سأستغفر فقط.
كان ذاك الصباح من صباحات فبراير الرطبة و الباردة، و كانت تيارات كناري الباردة المحملة بالسمك تدخل من نوافذ دراعتي التي لم أجد الوقت -و أشياء أخرى- بعد لإصلاحها، و تذيقني حاجتي إلى هذه الوظيفة الملعونة التي لا بد لها من الاستيقاظ باكرا.
طوابير الذاهبين إلى مركز الضجيج و الفتن تذكرني بطوابير الزبائن على المخبز، لا أفهم كيف أن أحدهم يملك ما يشتري به خبزا و يطارد به التاكسي، شخصيا إما أن آكل خبزا أو أجري وراء سيارة أجرة ،ليس في الجيب متسع للاثنين.
كنت أجري أمام التاكسي-و نظراتي تقفز في الاتجاه المعاكس- رافعا راية بيضاء اعترافا مني بهزيمتي في سباق لم أستعد له، و لعل السائق يحن عليَّ ، فإما توفيقا و إما فلست أدري متى سأمارس هواية الجري عند بوابة أمل آخر.
انطلت الحيلة، فتوقفت التاكسي حيث أنا، و اخترت لي موقعا في المقعد الأمامي، حيث يمكنني أن أشكر السائق من قريب، فلقد أنقذني من بداية ورطة، ربما أستطيع -بخبرتي- أن أنقذ نفسي من نهايتها.
-تفرغ زينة يمهل عمرك..
-أنا ما نكيس تفرغ زينة، نطرحك عند مرصة كبيتال و أكبظ من فم تاكسي أخرى..
و امتلأت السيارة بركابها بسرعة أنفاسي المتقطعة و بدأت تطوي الكثبان التي بدأت تخنق جانبي الطريق..
ها إن المستقبل بدأ يبين عن شيء لم أستبن إن كان أنيابا أم بسمة، و ها إنني سأبدأ أمارس حياتي كأي مواطن عادي، و سيصبح لي الحق في أن أختار مرشحي المفضل،
لست أدري ما العلاقة بين وظيفة و التصويت لمرشح سوى أن الأمل عندما يكبر، فإنه يكبر من كل فضاءاته، و تتداعى الأفكار قبل أن تتداعى الأحلام، أحلام من قبيل أن أمشي مرفوع الهامة،لا أخاف من صاحب الدكان الذي أمارس كل خبراتي في اقتناص لحظة يكون فيها مشغولا مع أحد زبائنه لأمر بسلام إلى الشاطئ الآخر من الوحل الذي تملأه نظراتته، و من قبيل أن أزاحم موظفي الدولة على إحدى شبابيك بنك ول العباس و نحن نستلم رواتبنا.أحلامي كبيرة على مقياس وطن يموت فيه الضعيف على باب المستشفى الوطني انتظارا أن يرق قلبٌ لعلاجه، و يجد فيه البائس نفسه واقفا عند باب مسجد يستجدي من اعتقد أن في قلوبهم ذرة إيمان أتت بهم ليصلوا المكتوبة.
جاءني صوت السائق و هو يخطف أجرته من يدي قبل أن أغير رأيي:
-أكبظ لك تاكسي من هون اتكيس بيك تفرغ زينة...
-أهيه يجازيك بالخير، تم إلين تشوف قريبك عينيه عشرة يتخطف ماهو عارف الحالة شنهي وقف لو هو الاول..
محطة أخرى تفصلني عن مقابلة ذاك الرجل العابس، الذي حاولت أن أستميله بنكتة مقنعة..
في هذه المدينة، الناس يضحكون ضحكات اعتراضية، و ابتساماتهم مصطنعة، كأنهم يقتنونها من حيث تقتنى الأطعمة المعدلة وراثيا، و حين تريد أن تحصل على ابتسامة أو ضحكة عضوية، فينبغي أن يكون كلامك جديا أريد به نكتة، ينبغي أن تأخذ الناس على حين غرة و ألا تترك لهم المجال في التفكير. لكن الرجل الخبير في دهاليز حيل طالبي الوظيفة نظر إلي نظرة لم أفهم من خلالها إن كان سيضحك في السنة القادمة أم أني قد لا أراه بعد ذلك اليوم.
انتظرت حتى اكتمل عدد ركاب (تو دروا) و بدأت السيارة في الحركة، كانت تسير على أعصابي بسرعة ( الحلمة).
و عند الاقتراب من موقع الشركة طلبت من السائق أن يتوقف بعشرات الأمتار قبل بابها الرئيسي، حتى لا يراني البواب و أنا أنزل من (تو دروا). أحب أن ينظر إلي البوابون نظرة اعتبارية، نظرة تقدير و إجلال تركز على وجهي، بعيدا عن حذائي الذي صبر علي كثيرا في انتظار أن يستبدلني بحاوية قمامة.
اقتربت من الباب الرئيسي و نبضات قلبي تدق معلنة شحنة من التوتر، سلمت على البواب مستعملا موجة حنجرتي الطويلة حتى لا يُظن بي سوء:
-السلام عليكم، قول للمدير أن هون حد بغايتو فيه..
-و عليكم السلام، المدير اليوم كَـابظ الر احة، كَاس البادية..
ترى كيف سيكون انطباع الرجل عني و أنا أتأخر عن موعدي الأول، و ربما الأخير، ساعة و بقايا من ثقتي في نفسي ،لقد تندمت حين تعهدت بأن أكون عند الباب قبل أن يفتح البواب مصراعيه-الباب حتى لا يكون للبواب مصراعان :) - أمام البائسين الباحثين عن يوم سعد.
سأقول له إن السيارة تعطلت، تلك السيارة التي امتلكتها في إحدى نوماتي.
حلمت أني أخذت معي الأطفال و زوجتي في نزهة، و كنا سعيدين جدا و نحن نتوقع أن نقضي أجمل وقت ينسينا في غابة من الأوقات المنهكة التي جربناها في الماضي، و في العودة كنا من أتعس الأسر بعد تعطل السيارة و اضطرارنا للرجوع مشيا على ما كانت أقداما قبل بدء الرحلة، و أستحالت بقايا لأقدام بعض الكائنات المندثرة. لن أكون كاذبا فلقد حدث شيء مثل ذلك و لو حلما.
كانت تلك إحدى الحيل التي تعلمتها من جاري يوم كنت أطلب منه أحيانا أن يوصلني في طريقه إلى أحد أركان انواكشوط، لقد كان يتحجج بحجج لا يمكنني أن أصدقها، لكني لا أجد دليلا واضحا أمسكه عليه.
ما يهمني الآن أساسا أن أصل و أن أقنع المدير بأي شيء و عند قبولي في تلك الوظيفة، فإني سأستغفر و أسجد سجدة شكر، و إلا فإني سأستغفر فقط.
كان ذاك الصباح من صباحات فبراير الرطبة و الباردة، و كانت تيارات كناري الباردة المحملة بالسمك تدخل من نوافذ دراعتي التي لم أجد الوقت -و أشياء أخرى- بعد لإصلاحها، و تذيقني حاجتي إلى هذه الوظيفة الملعونة التي لا بد لها من الاستيقاظ باكرا.
طوابير الذاهبين إلى مركز الضجيج و الفتن تذكرني بطوابير الزبائن على المخبز، لا أفهم كيف أن أحدهم يملك ما يشتري به خبزا و يطارد به التاكسي، شخصيا إما أن آكل خبزا أو أجري وراء سيارة أجرة ،ليس في الجيب متسع للاثنين.
كنت أجري أمام التاكسي-و نظراتي تقفز في الاتجاه المعاكس- رافعا راية بيضاء اعترافا مني بهزيمتي في سباق لم أستعد له، و لعل السائق يحن عليَّ ، فإما توفيقا و إما فلست أدري متى سأمارس هواية الجري عند بوابة أمل آخر.
انطلت الحيلة، فتوقفت التاكسي حيث أنا، و اخترت لي موقعا في المقعد الأمامي، حيث يمكنني أن أشكر السائق من قريب، فلقد أنقذني من بداية ورطة، ربما أستطيع -بخبرتي- أن أنقذ نفسي من نهايتها.
-تفرغ زينة يمهل عمرك..
-أنا ما نكيس تفرغ زينة، نطرحك عند مرصة كبيتال و أكبظ من فم تاكسي أخرى..
و امتلأت السيارة بركابها بسرعة أنفاسي المتقطعة و بدأت تطوي الكثبان التي بدأت تخنق جانبي الطريق..
ها إن المستقبل بدأ يبين عن شيء لم أستبن إن كان أنيابا أم بسمة، و ها إنني سأبدأ أمارس حياتي كأي مواطن عادي، و سيصبح لي الحق في أن أختار مرشحي المفضل،
لست أدري ما العلاقة بين وظيفة و التصويت لمرشح سوى أن الأمل عندما يكبر، فإنه يكبر من كل فضاءاته، و تتداعى الأفكار قبل أن تتداعى الأحلام، أحلام من قبيل أن أمشي مرفوع الهامة،لا أخاف من صاحب الدكان الذي أمارس كل خبراتي في اقتناص لحظة يكون فيها مشغولا مع أحد زبائنه لأمر بسلام إلى الشاطئ الآخر من الوحل الذي تملأه نظراتته، و من قبيل أن أزاحم موظفي الدولة على إحدى شبابيك بنك ول العباس و نحن نستلم رواتبنا.أحلامي كبيرة على مقياس وطن يموت فيه الضعيف على باب المستشفى الوطني انتظارا أن يرق قلبٌ لعلاجه، و يجد فيه البائس نفسه واقفا عند باب مسجد يستجدي من اعتقد أن في قلوبهم ذرة إيمان أتت بهم ليصلوا المكتوبة.
جاءني صوت السائق و هو يخطف أجرته من يدي قبل أن أغير رأيي:
-أكبظ لك تاكسي من هون اتكيس بيك تفرغ زينة...
-أهيه يجازيك بالخير، تم إلين تشوف قريبك عينيه عشرة يتخطف ماهو عارف الحالة شنهي وقف لو هو الاول..
محطة أخرى تفصلني عن مقابلة ذاك الرجل العابس، الذي حاولت أن أستميله بنكتة مقنعة..
في هذه المدينة، الناس يضحكون ضحكات اعتراضية، و ابتساماتهم مصطنعة، كأنهم يقتنونها من حيث تقتنى الأطعمة المعدلة وراثيا، و حين تريد أن تحصل على ابتسامة أو ضحكة عضوية، فينبغي أن يكون كلامك جديا أريد به نكتة، ينبغي أن تأخذ الناس على حين غرة و ألا تترك لهم المجال في التفكير. لكن الرجل الخبير في دهاليز حيل طالبي الوظيفة نظر إلي نظرة لم أفهم من خلالها إن كان سيضحك في السنة القادمة أم أني قد لا أراه بعد ذلك اليوم.
انتظرت حتى اكتمل عدد ركاب (تو دروا) و بدأت السيارة في الحركة، كانت تسير على أعصابي بسرعة ( الحلمة).
و عند الاقتراب من موقع الشركة طلبت من السائق أن يتوقف بعشرات الأمتار قبل بابها الرئيسي، حتى لا يراني البواب و أنا أنزل من (تو دروا). أحب أن ينظر إلي البوابون نظرة اعتبارية، نظرة تقدير و إجلال تركز على وجهي، بعيدا عن حذائي الذي صبر علي كثيرا في انتظار أن يستبدلني بحاوية قمامة.
اقتربت من الباب الرئيسي و نبضات قلبي تدق معلنة شحنة من التوتر، سلمت على البواب مستعملا موجة حنجرتي الطويلة حتى لا يُظن بي سوء:
-السلام عليكم، قول للمدير أن هون حد بغايتو فيه..
-و عليكم السلام، المدير اليوم كَـابظ الر احة، كَاس البادية..