"
عطيل" شكسبير ليس موريتانيا....؟
بقلم: اعل الشيخ اباه احمد الطلبة أستاذ اللغة الانجليزية في جامعة نواكشوط
بينما كنت أتصفح بعض المواقع الموريتانية لقراءة بعض المقالات والتحاليل الإخبارية قبل بداية يومي العملي وقعت عيناي على مقال بعنوان: " ليلة موريتانية في جدة تكشف عن أصول "عطيل" شكسبير"، يبدوا انه نشر على جميع المواقع. حسب المقال كانت الليلة مناسبة لأحد الموريتانيين أن يكذب ويتملق أمام بعض الحضور ليحرف تاريخ الأدب العالمي ويفتري بهتانا علي الكاتب الانجليزي العظيم وليم شكسبير الذي لو كان حيا لانتحر من هول ضحالة وسطحية فكر "الدكتور" الموريتاني الغوث الذي يبدوا أنه لم يقرأ أبدا "الفصول الخمس لمسرحية "عطيل"....
قرأت المقال بإحساس من الفخر لأنني من النادر أن اسمع عن مجموعة من المثقفين الموريتانيين يحيون جلسات أو يشاركون في صالونات ثقافية لا في الداخل ولا الخارج، لذلك عندما رأيت صورة الشاعرة والأديبة الفذة "شاعرة الفقراء" أو كما أحب دائما أن أطلق عليها "أنشودة وطني" نسبة إلي ديوانها الشعري 1991....
لكنني صدمت وشعرت بغضب شديد أصبت بالخذلان عندما وصلت إلي فقرة في المقال بدت فاضحة في وحدتها العضوية وسياقها الفكري تقول: "وألقى الدكتور الغوث محاضرة تناول فيها التاريخ الاجتماعي والثقافي لموريتانيا أشار فيها إلى أن عطيل شكسبير هو موريتاني الأصل ارتقى سلم العسكرية الرومانية وأصبح قائداً مشهوراً. وقال إن اسم المسرحية كما أرادها شكسبير هي "أوتيلو" وترجمها خليل مطران بـ"عطيل" خطأ، حيث قال في مقدمتها إنه لم يجد اسم "عطاء الله" بين الموريتانيين لذلك أطلق عليها اسم "عطيل". وأضاف الدكتور الغوث أن الموريتانيين يسمون "معطا الله" وهذا هو الاسم الحقيقي لـ"عطيل" الذي كتب عنه شكسبير."
تحدث "الدكتور الغوث في البداية عن التاريخ الاجتماعي والثقافي لموريتانيا والذي هو أوسع واكبر وأكثر تشعبا وغنا من أن يسمح بالخروج عن السياق للقيام بقراءات في الأدب العالمي دون أدنى احترام للقراء الذين لن يقبلوا أبدا التبرير الساذج والسطحي والواهي الذي قام به الدكتور بقوله إن "عطيل" هي تحريف لكلمة "معطا الله" وكأن الكاتب شكسبير في العام 1565 كان يعرف موريتانيا ويستمد منها شخصياته، لعمري إن هذا لهو الهراء والكذب البواح....
عندما قرأت المقال قررت أن اكتب هذه الأسطر للدكتور الذي يبدوا أنه لازال عاجزا عن القدرة على القراءة الأدبية من خلال السياق والأنساق الأدبية، بل لعله دكتور في التزوير والسفسطة. لقد قرأت هذه المسرحية منذ سنوات باللغة الانجليزية حين كنت طالبا في قسم اللغة الانجليزية في جامعة نواكشوط، ولقد حرصت على تدريسها لطلابي في الجامعة وأنا أستاذا للأدب الانجليزي في نفس الجامعة تحت عنوان "الأدب الانجليزي الحديث" ....
هنا سأقوم بجرد معلومات عن المسرحية أو على الأصح المأساة الشكسبيرية التي لازالت حتى الآن مثار حديث صالونات الثقافة ولا زالت تستقطب بعض الذباب العنيد من المثقفين وأشباه الدكاترة ليقحموها في محاضراتهم دون أدنى قدر من المعرفة والإحاطة بمعرفية أدبية تخولهم الكلام عن الدلالة الأدبية لاختيار وليم شكسبير لشخوص مسرحياته....
في الأصل كان الاسم الكامل لهذه المسرحية هو "Othello The Moor of Venice"، ولفظة (Moor) بالإنكليزية تطلق على المواطن المغربي. لذلك فإن بطل المسرحية من أصل عربي ومن بلاد المغرب خصوصا. كان شكسبير أميناً وصادقاً في رسمه للشخصيات، فلم يحمل على العربي ولم يتجنّ عليهم من خلال تشويهه لشخصية عطيل، كما يحلو لكثير من الكتّاب الغربيين أن يفعلوه في مؤلفاتهم… بل جعل منه نموذجاً حياً للشرف والإباء والكرامة، وجعل منه أيضاً مثل يحتذى به في الشجاعة والإقدام والإخلاص لمبادئه ولأصدقائه....
فعطيل، البطل العربي، محب للخير.. صريح إلى أبعد حدود الصراحة، لا يعرف المداهنة ولا الرياء، فإذا كره ظهر ذلك على أسارير وجهه وفي نظرات عينيه، وإذا أحبّ أحب في عمق وإخلاص. وكان عطيل يكره الخيانة ويحتقرها شأنه في ذلك شأن أصحاب المثل العليا....
عطيل شخصية قوية الإرادة… له مقدرة فائقة على التحكم بأعصابه… فهو لا يستسلم أبداً للغضب بل يحكم عقله في كل ما يصادفه من مفاجآت وأحداث… وهو عاطفي شديد الحساسية، ككل الرجال الأقوياء، وهو يحب المرأة الرقيقة الهادئة الموفورة الأدب والأنوثة لذا فقد أحبّ ديدمونة، بنت برانسبو وزوجته، حباً عنيفاً عميقاً ملك عليه لبّه واستجمع عواطفه....
ويبدو أن الشاعر وليم شكسبير قد تقمص شخصية عطيل وسكب من نفسانياته على عطيل مما جعلهما شخصاً واحداً. حتى أنه جعل بطل مسرحيته شاعريّ الخيال والكلام، كما جعله أيضاً شاعري النزعة والميول. مما جعل أحد النقاد الإنجليز يقول عن شخصية (عطيل): "إنه لم يكن من الشعراء الذين يقتصر شعر أحدهم على ما يكتبه أو يقوله… ولكنه كان يجعل من أسلوب حياته شعراً. ويرى أن الحياة بدون هدف ولا هدوء ذهني لا تستحق أن يحياها الإنسان. وعطيل بعد أن تزوج ديدمونة كان يربط كل حلاوة حياته وطمأنينتها ببقاء حبه لها… بمعنى أن هذا الحب لو خمدت جذوته لانتهت الجدوى من حياته"....
من هنا تبرز الأهمية لعقدة هذه المسرحية والتي بلغت ذروتها عند اكتشاف عطيل خيانة ديدمونة له، وتلك الخيانة كانت ملفقة من قبل غريمه ردوريجو الذي أحبّ ديدمونة قبل ظهور شخصية عطيل التي نازعته على قلبها الذي كان رافضاً لحبه. تجري الأحداث ضمن أجواء تتنازع فيها قوى الخير والشر، والتي تنتهي بانتحار عطيل بعد أن اكتشف براءة ديمونة بعد أن خنقها....
إن أحداث المسرحية تدور فيما بين البندقية وقبرص. يعتقد أنها كتبت في سنة 1603 وهي مستوحاة من قصة إيطالية بعنوان "النقيب المغربي" كتبها سينثو تليمذ جيوفاني بوكاتشو .نشرت المسرحية لأول مرة في عام 1565 م. تدور كل المسرحية حول أربعة شخوص رئيسة: عطيل الجنرال المغربي في الجيش البندقي و زوجته ديمونة و الملازم كاسيو مساعد عطيل و حامل الراية ياجو المنافق .
تتنوع مواضيع المسرحية بين العنصرية , والحب, و الغيرة, و الخيانة. قدمت شخصية عطيل في مسرحيات و أفلام عديدة...
للتوضيح أكثر يمكن أن نأخذ هذا الاستشهاد من مسرحية "عطيل" والذي جاء الكلام فيه بعد أن سرقت إميليا منديل ديدمونة وأعطته لزوجها اياغو والذي بدوره سيرميه في غرفة المتهم بالخيانة كاسبو ليقول لعطيل:: "إنني كنت بائتاً منذ ليال مع كاسيو... تبينت أن كاسيو يرى حلماً.. سمعته يقول وهو مستغرق في رؤياه "حبيبتي ديدمونة لنكن حذرين ولنخف حبنا".. وحينئذ يا سيدي أمسك بيدي يشدها ويصيح "يالك من حسناء شهية" ثم طفق يلثمني بقوة.. ثم ألقى بساقه على فخذي وتنهد وعانقني وصاح: "لعن الله الحظ الذي وهبك للمغربي". ويقول لعطيل إنه رأى المنديل بيد كاسيو."
إذن من خلال هذه اللمحة الخاطفة حول شخصية عطيل ومسرحية شكسبير يتبين لنا أن "عطيل" كان عربيا فعلا وأنه اقرب ما يكون لشخصية مغربية وليست موريتانية، لأن موريتانيا في زمن شكسبير لم تكن مجتمعا متماسكا يفرض ذاته الأدبية ولم تكن له حدود جغرافية ولا تاريخية ولا أدبية مع ارويا لكي يستمد أو يستوحي الكاتب الملكي آنذاك اسم بطل مسرحيته المأساوية من اسم موريتاني لا يزال في موريتانيا يرتبط بعرق معين. في موريتانيا عندما نقوك "معطا" أو "معطا الله" هناك إيحاءات ودلالات عرقية كان من الأجدر بالدكتور الغوث الحديث عنها في سياق التاريخ الموريتاني والثقافة العرقية....
هناك الكثير من الدراسات الأكاديمية والأطروحات كتبت بجميع اللغات عن "العرب في شعر ومسرحيات شكسبير وكلها منذ حوالي 400 سنة من الإنتاج الأدبي والنقد لم يتجرأ أحد على الكذب والنفاق ليقول بأن "عطيل" موريتاني. لو كان عطيل موريتاني لكان شكسبير من عرق البيظان ولكان قد عاش في الصحراء وتكلم الحسانية ليعرف أن "عطيل" هي تحريف ل "معطا الله".....
المفضلات